responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 474
يُسَامِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِذْ أَقْبَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَضَحِكَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه: «كَيْفَ حُبُّكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه أُحِبُّهُ كَحُبِّي لِوَلَدِي أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا سِرْتَ إِلَيْهِ تُقَاتِلُهُ» .
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَازَ دُخُولُ النُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ؟
قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ جَاءَ بِلَفْظِ النَّهْيِ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ حَسُنَ إِدْخَالُ النُّونِ الْمُؤَكَّدَةِ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ، كَقَوْلِكَ انْزِلْ عَنِ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحْكَ أَوْ لَا تَطْرَحَنَّكَ، وكقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ [النَّمْلِ: 18] الثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً/ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، إِلَّا أَنَّهُ جِيءَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ اخْتِصَاصِ الْفِتْنَةِ بِالظَّالِمِينَ كَأَنَّ الْفِتْنَةَ نُهِيَتْ عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ. وَقِيلَ لَهَا لَا تُصِيبِي الَّذِينَ ظَلَمُوا خَاصَّةً، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْمُبَالَغَةُ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْحَثُّ عَلَى لُزُومِ الِاسْتِقَامَةِ خَوْفًا مِنْ عِقَابِ اللَّه.
فَإِنْ قِيلَ: حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى يُخَوِّفُهُمْ مِنْ عَذَابٍ لَوْ نَزَلَ لَعَمَّ الْمُذْنِبَ وَغَيْرَهُ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِرَحْمَةِ الرَّحِيمِ الْحَكِيمِ أَنْ يُوصِلَ الْفِتْنَةَ وَالْعَذَابَ إِلَى مَنْ لَمْ يُذْنِبْ؟
قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُنْزِلُ الْمَوْتَ وَالْفَقْرَ وَالْعَمَى وَالزَّمَانَةَ بِعَبْدِهِ ابْتِدَاءً، إِمَّا لِأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ اشْتِمَالَ ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّلَاحِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِذَا جَازَ ذلك لأحد هذين الوجهين فكذا هاهنا. واللَّه أعلم.

[سورة الأنفال (8) : آية 26]
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَطَاعَةِ الرَّسُولِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ الْمَعْصِيَةِ، أَكَّدَ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ظُهُورِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَبَعْدَ ظُهُورِهِ صَارُوا فِي غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةَ وَتَرْكَ الْمُخَالَفَةِ. أَمَّا بَيَانُ الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ فَمِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ فِي الْعَدَدِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ، وَالْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يَسْتَضْعِفُهُمْ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِضْعَافِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ النَّاسُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا خَرَجُوا مِنْ بَلَدِهِمْ خَافُوا أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ الْعَرَبُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ وَشِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا كَذَلِكَ قُلِبَتْ تِلْكَ الْأَحْوَالُ بِالسَّعَادَاتِ وَالْخَيْرَاتِ، فَأَوَّلُهَا: أَنَّهُ آوَاهُمْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَصَارُوا آمِنِينَ مِنْ شَرِّ الْكُفَّارِ، وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ والمراد منه وجوه النَّصْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى/ أَحَلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ نَقَلْنَاكُمْ مِنَ الشِّدَّةِ إِلَى الرَّخَاءِ، وَمِنَ الْبَلَاءِ إِلَى النَّعْمَاءِ وَالْآلَاءِ، حَتَّى تَشْتَغِلُوا بِالشُّكْرِ وَالطَّاعَةِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ أَنْ تَشْتَغِلُوا بالمنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال؟

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 474
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست